عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2021, 11:45 PM   #2
العهود


الصورة الرمزية العهود
العهود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 14
 تاريخ التسجيل :  Aug 2021
 أخر زيارة : 07-24-2022 (05:19 PM)
 المشاركات : 2,232 [ + ]
 التقييم :  27
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



رابعًا: التشدد في إقامة الحروف ومخارجها:

إلى الحد الذي يصرف عن فهم القرآن وتدبُّر معانيه، وقراءة الألفاظ، وإخراج الحروف من مخارجها وحده لا يكفي في حصول الهداية بالقرآن، ما لم يقترن به الإذعان والتصديق والعمل؛ لأن الفهم من باب التصور، وهو خيال، ما لم يتفاعل معه المسلم، وقد سمعنا من يجيد القراءة بالأحكام وضبط الحروف، ويجعل أمر العباد وشؤونهم إلى أصحاب القبور من أولياء وصالحين، فكيف لمثله أن يحصل له هداية؟! نسأل الله السلامة!



دفع شبه:

نقل العلامة ابن الجوزي رحمه الله بسنده إلى عبدالله ابن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: سمعت أبي يقول: رأيت ربَّ العزة عز وجل في المنام، فقلت: يا رب ما أفضل ما يتقرب به إليك المتقربون؟ فقال: كلامي يا أحمد، قال: قلت: بفهم أو بغير فهم؟ فقال: بفهم وبغير فهم)[2].



وهي تدل بظاهرها على أن الفهم غير شرط في تلاوة كتاب الله، فنقول في توضيح رؤيا الإمام ما يلي:

1- قد اختلف العلماء في رؤية الله في المنام، والراجح أنه يُرى مثالًا لا حقيقة، فيراه المؤمن حسب إيمانه وتقواه، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام[3]، وذكره في مواضع عدة من كتبه وفتاويه لا مجال لذكرها في هذه العجالة.



2- قوله: "بفهم أو بغير فهم" يخالف ما جاء في الآيات الدالة في وجوب تدبر القرآن، وأن المقصود من التلاوة الفهمُ والعمل؛ قال الله جل جلاله: ï´؟ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ï´¾ [ص: 29]، وهذا يدل على أن الثمرة المقصودة من التلاوة هي الفهم، والذي يؤدي إلى العمل لأنه فرع عنه، قال بعض السلف: (أُنزِل هذا القرآن ليعمل به، فاتخذوا تلاوته عملًا)[4].



وهو يدل على أن التلاوة بفهم وتدبُّر أعظم بكثير من تلاوة بغير فهم، بل بينهما درجات.



3- رؤيا الإمام أحمد تخالف روايته، وقد تقرَّر في علم الحديث أن العبرة بما يرويه الراوي لا بما يراه أو يعمل به، فقد يرى خلاف ما يرويه نسيانًا أو خطأً، أو يتأول، فهو غير معصوم، والله تعبَّدنا باتباع كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا إذا كان رأيًا فكيف إذا كان رؤيا منام؟ ومن المعلوم أن رؤيا المنام لا ينبني عليها حكم شرعي؛ لأن الأحكام مصدرها القرآن والسنة، وإجماع السلف رضي الله عنهم.



4- قد يقول قائل: إنها رؤيا الإمام أحمد إمام أهل السُّنة، وهي ليست عابرة، فنقول ما قاله سيد العقلاء علي بن أبي طالب: (الحق لا يُعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله)، وهو الذي من أجله جاهد الإمام أحمد، وتحمَّل أنواع البلاء والفتن، وأوذي في سبيل ذلك حتى رفع الله به لواء السُّنة.



وأخيرًا فعلى تقدير صحة الرؤيا فنقول: قوله: "بفهم أو بغير فهم" قد لا ينافي حصول ثواب التلاوة، وإن لم يفهم القارئ المعنى، لكن أين ذلك من القراءة المترسلة التي يقف عندها القارئ ويتدبر معاني القرآن، ومواعظه، وأحكامه، ووعده ووعيده؟[5].



بدع تمنع الاهتداء بالقرآن:

كلما امتدَّ الزمان، وبعد الناس عن آثار النبوة والرسالة، قلَّ العلم، وفشا الجهل، وظهرت البدع والخرافات، يقول صلى الله عليه وسلم:((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسا جهالًا، فسُئلوا، فأفتَوا بغير علم فضَلُّوا وأضَلوا))[6]، ولا يقاوم البدع ويرد على أهلها إلا العلماءُ، فإذا اختفى العلم والعلماء أتيحت الفرصة للبدع أن تظهر وتنتشر، وبسبب ذلك انتشرت في دنيا المسلمين بدعٌ وضلالات صرفتهم عن الاهتداء بالقرآن، والانتفاع من آياته ونوره، وأبعدتهم عن فهم معانيه وتدبر آياته والعمل بأحكامه.



فمن تلك البدع ما يلي:

1- التخوف من تفسير القرآن:قال تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ï´¾ [القمر: 17]؛أي: متذكر ومتعظ به، والله أنزل القرآن هداية لجميع الناس، ويسَّر لهم فهمه والعمل به، فمن هو في البادية يفهم منه ما يمكنه العمل به، وكذا من هو بين القصور والأبراج، وهؤلاء يتحرج أحدهم من تفسير آية وإن كان حافظًا لمعناها، وإن كان قارئًا لتفسيرها مرات، وإن جاء أحدهم يسألهم عن تفسير آية زجروه بشدة ونهروه، والأعظم من ذلك أنهم يقرؤون عليهم من الحواشي والمتون للمتأخرين من العلماء والفقهاء وشروحاتهم وتعليقاتهم، وهي على بعدها من نور النبوة، وعدم فائدتها الكبيرة للحقائق الإيمانية، والمطالب الإلهية، لا ينتفعون منها بشيء، وبسببها هجر المسلمون تعاليم القرآن السامية، وما يدعو إليه من الأخلاق والفضائل التي رفعت أمتنا الإسلامية إلى أوج عزها ومجدها، وبسبب هذا الهجر وصلنا إلى ما نحن عليه من ضياع وتفرق.



حكاية مكذوبة عن الامام السيوطي رحمه الله:

ذكر عن السيوطي صاحب تفسير (الدر المنثور في التفسير بالمأثور): أنه كان إذا أراد أن يفسر آية من كتاب الله خرج إلى الجبل ففسرها خوفًا من الخطأ، ومخافة أن يناله غضب ينزل عليه وعلى أهل البلد، قال صاحب كتاب (السنن والمبتدعات) تعليقًا على الحكاية: كلام باطل لا أصل له ألبتة، وما ألقى هذا بين الناس إلا الشيطان؛ ليصدهم عن سبيل الله، وقد قال تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ï´¾ [القمر: 17][7].



2- قراءة الفاتحة بنفس واحد:

قد جاء النهي عن الإسراع في القراءة؛ لأنه يمنع التدبر والاهتداء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في كل سبع))، فقال: ليتني قبلت رخصة رسول الله؛ وذلك أني كبرت وضعفت، وفي رواية لأبي داود أنه قال: ((اقرأ القرآن في ثلاث))[8].



وهذا الأمر لا يشرع الاقتداء به؛ يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (فإذا كان من يقرؤه في ثلاث أحيانًا قد يفهمه، حصل مقصود الحديث، ولا يلزم إذا شرع فعل ذلك أحيانًا لبعض الناس أن تكون المداومة عليه مستحبة؛ ولهذا لم يعلم من الصحابة على عهده من داوم على ذلك؛ أعني قرأه فيما دون سبع؛ ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يقرؤه في كل سبع).



وقد نقل النووي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنه ختَم في كل ليلة ختمة، وبعضهم في كل ليلة ختمتين، ونقل عن السيد ابن الكاتب الصولي رحمه الله أنه ختم ثماني ختمات: في الليل أربعًا، وفي النهار أربعًا، وهذا يُحمَل على ما مع كل واحد منهم من قرآن، أو يُحمل على المبالغة، أو يكون من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء؛ ولهذا قال النووي بعد ذكر الخلاف في عدة الختم: (والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر بدقيق الفكر لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولًا بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين، ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة)[9].



أما تلاوة الفاتحة بنفس واحد، فهو مع أنه خلاف السنة فهو يمنع من تدبر السورة، وهي عادة بعض قراء زماننا، حيث تراهم يتنافسون في سباق محموم في عدم أخذ النفس أثناء تلاوة القرآن أمام الجمهور؛ ليقولوا عنه: إنه متمكن في تلاوته، وله عرب صوتية، وإنه أفضل من ذاك المقرئ، وهذا يعيب على ذلك، وآخر يعيب على فلان، والأمر لله الديان.



3- قراءة القرآن بأصوات الغناء:

جاء في الحديث: ((اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتِها، وإيَّاكم ولحون أهل الفِسْق وأهل الكِتابين، وسيجيءُ قومٌ من بعدي يرجِّعون القُرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنَّوح، لا يجاوز حناجرَهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم))[10].



قال السخاوي رحمه الله في جمال القراء: "ومما ابتدع الناس في قراءة القرآن أصوات الغناء، وهي التي أخبر بها رسول الله أنها ستكون بعده، وقد قال رسول الله في هؤلاء[11]: ((مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم))، وابتدعوا أيضًا ما سموه الترعيد، وهو: أن يرعد صوته كالذي يرعد من برد أو ألم، وقد يخلطه بشيء من ألحان الغناء، وآخر سموه الترقيص، وهو أن يروم السكوت على الساكن، ثم ينفر مع الحركة كأنه في عدْو أو هرولة، وآخر يسمى التطريب، وهو أن يترنم بالقرآن ويتنغم به، فيمد في غير مواضع المد، ويزيد في المد على ما ينبغي لأجل التطريب، فيأتي بما لا تجيزه العربية، ونوع آخر يسمى التحزين، وهو أن يترك طباعه وعادته في التلاوة، فيأتي بالتلاوة على وجه آخر، كأنه حزين يكاد يبكي، مع خشوع وخضوع، ولا يأخذ بذلك الشيوخ؛ لما فيه من الرياء"[12].



وهذا الأخير إن كان خشوعًا فهو حسن، إلا أن الممنوع منه كما أشار السخاوي التكلف وقصد الرياء، ومن البدع ما يفعله الجهال من العوام في حفلات المآتم والختمات عندما يسمعون قارئ القرآن، فإنهم لا يفقهون شيئًا مما يتلى، بل يصيحون ويزعقون، وأحيانًا يتكلمون بما يخالف الشرع، والإثم يقع على هؤلاء القراء، فإن بعضهم يقرؤه لأجل حطام الدنيا، ولا يصدر منهم أيُّ إنكار لما يرونه ويسمعونه خوفًا على جاههم ومركزهم، يقول صاحب السنن والمبتدعات: (وقولهم لقارئ القرآن: كمان كمان ياستاذ هيه هيه يفتح عليك، حرمه الله؛ يقول سبحانه: ï´؟ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ï´¾ [الأعراف: 204]، والحق أنهم لم يتذوقوا ألفاظ القرآن؛ لأنهم لم يفقهوا له معنى، بل ما كانت إلا من حسن نغمة القارئ، والدليل أنه لو قرأ قارئ ليس حسن الصوت، وقرأ السورة بعينها التي كانت تتلى عليهم، لانفضوا من حوله ساهين لاغين له، ولمن جاء به، قائلين: جايب لنا فقي حسه زي حي البوابور؟!)[13].



 

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49