المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم


سيدة الورد
12-07-2021, 12:24 AM
اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم


عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى يشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فانطلق أبي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليشهده على صدقتي، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا، قال: "اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم"، فرجع أبي فرد تلك الصدقة.
وفي لفظ: قال: "فلا تشهدني، إذًا فإني لا أشهد على جور".وفي لفظ: "فأشهد على هذا غيري". قوله: (تصدق عليَّ أبي ببعض ماله)، وفي رواية أعطاني أبي عطية، وفي رواية أن أباه أتى به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا، فقال: أكل ولدك نحلت مثله؟ قال: لا، قال: فارجعه.ولمسلم سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها لي، فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخذ بيدي وأنا غلام، فأتى بي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا، قال: ألك ولد سواه؟ قال: نعم، قال: فأراه، قال: لا تشهدني على جور.قوله: (اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم)، ولمسلم قال: "فردده"، وفي رواية: "فأشهد على هذا غيري"، وفي حديث جابر: "فليس يصلح هذا؛ لأني لا أشهد إلا على حق"، عند مسلم: " اعدلوا بين أولادكم " في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر"، وعند أحمد: "إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم، فلا تشهدني على جور، أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء"، قال: بلى قال: "فلا إذا"، ولأبي داود من هذا الوجه: "إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك"، وللنسائي: "ألا سويت بينهم".
قال الحافظ: (واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد، وقد تمسَّك به من أوجب التسوية في عطية الأولاد، وبه صرح البخاري، وهو قول طاوس والثوري وأحمد وإسحاق، وقال به بعض المالكية، ثم المشهور عن هؤلاء أنها باطلة، وعن أحمد تصح، ويجب أن يرجع، وعنه يجوز التفاضل إن كان له سبب؛ كأن يحتاج الولد لزمانته ودينه، أو نحو ذلك دون الباقين، وقال أبو يوسف: تجب التسوية أن قصد بالتفضيل الإضرار، وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فإن فضل بعضًا صحَّ وكره، واستحبت المبادرة إلى التسوية أو الرجوع، فحملوا الأمر على الندب والنهي على التنزيه، ومن حجة من أوجبه أنه مقدمة الواجب؛ لأن قطع الرحم والعقوق محرمان، فما يؤدي إليهما يكون محرمًا، والتفضيل مما يؤدي إليهما)[1].قال الحافظ: (واستدل به أيضًا على أن للأب أن يرجع فيما وهبه لابنه وكذلك الأم، وهو قول أكثر الفقهاء، قال: وحجة الجمهور في استثناء الأب أن الولد وما له لأبيه، فليس في الحقيقة رجوعًا، وعلى تقدير كونه رجوعًا، فربما اقتضته مصلحة التأديب ونحو ذلك، قال: وفي الحديث أيضًا الندب إلى التآلف بين الأخوة، وترك ما يوقع بينهم الشحناء، أو يورث العقوق للآباء، وأن عطية الأب لابنه الصغير في حجره لا تحتاج إلى قبض، وأن الإشهاد فيها يغني عن القبض.قال: وفيه كراهة تحمل الشهادة فيما ليس بمباح، وأن الإشهاد في الهبة مشروع وليس بواجب، وفيه جواز الميل إلى بعض الأولاد والزوجات دون بعض، وإن وجبت التسوية بينهم في غير ذلك، وفيه أن للإمام الأعظم أن يتحمل الشهادة، وتظهر فائدتها إما ليحكم في ذلك بعلمه عند من يجيزه، أو يؤديها عند بعض نوَّابه، وفيه مشروعية استئصال الحاكم والمفتي عما يحتمل الاستفصال؛ لقوله: ألك ولد غيره، فلما قال: نعم، قال أفكلهم أعطيت مثله، فلما قال: لا، قال: لا أشهد، فيُفهم منه أنه لو قال: نعم، لشهد، وفيه جواز تسمية الهبة صدقة، وأن للإمام كلامًا في مصلحة الولد والمبادرة إلى قبول الحق، وأمر الحاكم والمفتي بتقوى الله في كل حال، وفيه إشارة إلى سوء عاقبة الحرص والتنطع؛ لأن عمرة لو رضيت بما وهبه زوجها لولده لما رجع فيه، فلما اشتد حرصها في تثبيت ذلك، أفضى إلى بطلانه، وقال المهلب: فيه أن للإمام أن يرد الهبة والوصية ممن يعرف منه هروبًا عن بعض الورثة[2]، والله أعلم؛ انتهى.وقال البخاري: باب الهبة للولد، وإذا أعطى بعض ولده شيئًا لم يجز حتى يعدل بينهم، ويعطي الآخرين مثله، ولا يشهد عليه، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- اعدلوا بين أولادكم في العطية، وهل للوالد أن يرجع في عطيته، وما يشكل من مال ولده بالمعروف، ولا يتعدى، واشترى النبي -صلى الله عليه وسلم- من عمر بعيرًا ثم أعطاه ابن عمر، وقال: اصنع به ما شئت[3]؛ انتهى.

تتمة:
قال في الاختيارات: وإعطاء المرء المال ليمدح ويثنى عليه مذموم، وإعطاؤه لكف الظلم والشر عنه، ولئلا ينسب إلى البخل مشروع، بل هو محمود مع النية الصالحة، قال: وتصح هبة المعدوم كالثمر واللبن بالسنة، واشتراط القدرة على التسليم هنا فيه نظر بخلاف البيع، وتصح هبة المجهول؛ كقوله: ما أخذت من مالي، فهو لك أو من وجد شيئًا من مالي، فهو له، وفي جميع هذه الصور يحصل الملك بالقبض ونحوه، وللمبيح أن يرجع فيما قال قبل التملك، وهذا نوع من الهبة يتأخر القبول فيه عن الإيجاب كثيرًا، وليس بإباحة، قال: والصدقة أفضل من الهبة إلا لقريب يصل بها رحمه، أو أخ له في الله تعالى، فقد تكون أفضل من الصدقة، ومن العدل الواجب من له يد أو نعمة أن يجزئه بها، قال: ولا يجوز لإنسان أن يقبل هدية من شخص ليشفع له عند ذي أمر، أو أن يرفع عنه مظلمة، أو يوصل إليه حقه أو يوليه؛ لأنه يستحقها أو يستخدمها في الجند المقاتلة وهو مستحق لذلك، ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه، أو دفع الظلم عنه، وهو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر، ويجب التعديل في عطية أولاده على حسب ميراثهم، وهو مذهب أحمد قال: ولا يجب التسوية بين سائر الأقارب الذين لا يرثون كالأعمام والأخوة مع وجود الأب، قال: وإذا سوى بين أولاده في العطاء ليس له أن يرجع في عطية بعضهم، وقال: فلو كان أحد الأولاد فاسقًا، فقال والده: لا أعطيك نظير إخوتك حتى تتوب، فهذا حسن يتعين استثناؤه، وإذا امتنع من التوبة فهو الظالم، فإن تاب وجب عليه أن يعطيه، فلو مات الوالد قبل التسوية الواجبة، فللباقين الرجوع، وهو رواية عن الأمام أحمد، واختيار ابن بطة وأبي حفص، وأما الولد المفضل فينبغي له الرد بعد الموت قولًا واحدًا، وهل يطيب له الإمساك إذا قلنا: لا يجبر على الرد كلام أحمد يقتضي روايتين، فقال في رواية ابن الحكم: وإذا مات الذي فضل لم أطيبه له، ولم أجبر على رده، وظاهره التحريم، ونقل عنه أيضًا قلت: فترى الذي فضل أن يرده، قال: إن فعل فهو أجود وإن لم يفعل ذلك، لم أجبره وظاهره الاستحباب، قال: وللأب الرجوع فيما وهبه لولده ما لم يتعلق به حق أو رغبة، فلا يرجع بقدر الدين وقدر الرغبة، ويرجع فيما زاد، قال: ويرجع الأب فيما أبرأ منه ابنه من الديون على قياس المذهب، كما للمرأة على أحد الروايتين الرجوع على زوجها فيما أبرأته من الصداق، ويملك الأب إسقاط دين الابن عن نفسه، قال: وإذا أخذ من مال ولده شيئًا ثم انفسخ سبب استحقاقه، بحيث وجب رده إلى الذي كان مالكه مثل أن يأخذ صداقها، فتطلق أو يأخذ الثمن ثم ترد السلعة بعيب، أو يأخذ المبيع، ثم يفلس الولد بالثمن ونحو ذلك، فالأقوى في جميع الصور أن للمالك الأول الرجوع على الأب، وللأب أن يتملك من مال ولده ما شاء ما لم يتعلق به حق كالرهن والفلس، وقوله عليه السلام: "أنت ومالك لأبيك"، يقتضي إباحة نفسه كإباحة ماله، وهو نظير قول موسى - عليه السلام - لا أملك إلا نفسي وأخي وهو يقتضي جواز استخدامه، وأنه يجب على الولد خدمة أبيه، ويقويه جواز منعه من الجهاد والسفر ونحو ذلك فيما يفوت انتفاعه به، لكن هذا يشترك فيه الأبوان، فيحتمل أن يقال: خص الأب بالمال، وأما منفعة البدن فيشتركان فيها[4]؛ انتهى والله أعلم.




1- فتح الباري: (5/ 214).
2- فتح الباري: (5/ 216).
3- صحيح البخاري: (3 /206).
4- الاختيارات الفقهية: (1/ 515).

عازف
12-07-2021, 06:04 AM
جزاك الله خير
على الطرح الهادف

رقة انثى
12-07-2021, 09:44 PM
ربي يعطيك العافيه

فنتآستكـ
12-07-2021, 10:02 PM
سلمت يداك على الطرح الطيب

مشآعر
12-07-2021, 10:14 PM
جزااك الله خيراً
ونفع بما نقلت

العهود
12-11-2021, 10:41 PM
سلم ذوقكـ على حسن الانتـــــــقاااء
بـ إنتظآر جديدك وعذب أطرٌوحآتك

لحن الوفا
12-11-2021, 10:50 PM
جزاك المولى خيراً
عساكـ على القوهـ وفي انتظارجديدك

احساس خجولة
12-11-2021, 11:02 PM
سلمت وسلمت مواضيعك الراقية
كنت هنا وراق لي موضوعك

سيدة الورد
12-13-2021, 08:23 PM
http://www.karom.net/up/uploads/132809046912.gif

إكليل الورد
12-22-2021, 12:43 AM
يسلمووو ع الموضوع

ـالـبـدر
01-26-2022, 01:18 AM
يعطيك العافيه