المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه


» عــطــر -♕
10-23-2021, 05:31 PM
من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
فقد رُوي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَن تَرَكَ شَيئًا لِله عَوَّضَهُ اللهُ خَيرًا مِنهُ».
وهذا الحديث ضعيف لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ، وإن كان مشهورًا عند كثير من الناس، وقد ثبت بلفظ آخر من حديث أبي قتادة وأبي الدهماء قالا: أتينا على رجلٍ من أهل البادية وقلنا: هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، قال: سمعته يقول: «إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلهِ عز وجل إِلاَّ بَدَّلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ» (¬1).
وهذا الحديث العظيم قد اشتمل على ثلاث جمل.
الأولى قوله: «لَنْ تَدَعَ شَيْئًا»، وهذا لفظ عام يشمل كل شيء يتركه الإِنسان ابتغاء وجه الله تعالى.
الثانية: قوله: «لِلهِ عز وجل»، هذه الجملة بيَّن فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الترك لا بد أن يكون ابتغاء مرضاة الله، لا خوفًا من سلطان، أو حياء من إنسان، أو عدم القدرة على التمكن منه، أو غير ذلك.
الثالثة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أَبْدَلَهُ اللهُ خَيرًا مِنْهُ»، هذه الجملة فيها بيان للجزاء الذي يناله من قام بذلك الشرط، وهو تعويض الله للتارك خيرًا وأفضل مما ترك، والعوض من الله قد يكون من جنس المتروك، أو من غير جنسه، ومنه الأنس بالله عز وجل ومحبته وطمأنينة القلب وانشراح الصدر، ويكون في الدنيا والآخرة، كما علم الله المؤمن أن يدعو: {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201].
قال قتادة السدوسي: لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس به إلا مخافة الله عز وجل، إلا أبدله في عاجل الدنيا قبل الآخرة.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة: عنه - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه قال: «يَقُولُ اللهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلاَ تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِئَةِ ضِعْفٍ» (¬2).
والأمثلة التي تبين عظيم خلف الله تعالى لعباده كثيرة جدًّا، منها: ما قصه الله تعالى عن نبي الله سليمان عليه السلام في سورة (ص)، وخلاصته: أنه كان محبًّا للجهاد في سبيل الله، ولذلك كانت عنده خيل كثيرة وكان يحبها حبًّا شديدًا، فاشتغل بها يومًا حتى فاتته صلاة العصر، فغربت الشمس قبل أن يصلي، فأمر بها فردت عليه، فضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف إيثارًا لمحبة الله عز وجل، وقد كان ذلك جائزًا في شريعتهم.
فعوضه الله عز وجل خيرًا منها الريح التي تجري بأمره رُخاءً حيث أصاب، تقطع في النهار ما يقطعه غيرها في شهرين.
وإليك الآيات فتدبر. قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ * وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص: 30 - 36].
المثال الثاني: النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لما هاجروا تركوا ديارهم وأموالهم لله تعالى، فعوضهم الله بأن جعلهم قادة الدنيا وحكام الأرض وفتح عليهم خزائن كسرى وقيصر، ومكنهم من رقاب الملوك والجبابرة، هذا مع ما يُرجى لهم من نعيم الآخرة، فشكروا، ولم يكفروا، وتواضعوا ولم يتكبروا، وحكموا بالعدل بين الناس، قال تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [النور: 55].
وتأمل قصة أحد هؤلاء المهاجرين، وهو صهيب الرومي - رضي الله عنه -، فعن عكرمة قال: لما خرج صهيب مهاجرًا تبعه أهل مكة فنثل كِنَانَتَهُ فأخرج منها أربعين سهمًا، فقال: «لاَ تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّى أَضَعَ فِي كُلِّ رَجُلٍ مِنكُم سَهمًا، ثُمَّ أَصِيرَ بَعدُ إِلَى السَّيفِ، فَتَعلَمُونَ أَنِّي رَجُلٌ، وَقَد خَلَّفْتُ بِمَكَّةَ قَينَتَينِ فَهُمَا لَكُم، وَنَزَلَت عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله} [البقرة: 207]، فَلَمَّا رَأَىهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: أَبَا يَحْيَى رَبِحَ الْبَيْعُ، قَالَ: وَتَلاَ عَلَيهِ الآيَةَ» (¬3).
المثال الثالث: نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام عرضت عليه المغريات في أرقى صورها، فاستعصم فعصمه الله، وترك ذلك لله عز وجل، لأن الله جعله من المُخلَصِين، وأُوذي بسبب ذلك فاختار السجن على ما يدعونه إليه، فصبر واختار ما عند الله فعوضه الله تعالى أحسن العوض، فمَلَّكه على خزائن الأرض، وعلمه تأويل الرؤيا، فنعم المُعْطِي، ونعم المُعْطَى، ونعمت العطية.
قال تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [يوسف: 33 - 34].
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ} [يوسف: 56].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
¬_________
(¬1) مسند الإمام أحمد (38/ 170) برقم (23074)، وقال محققوه: إسناده صحيح، وقال الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (1/ 19): وسنده صحيح على شرط مسلم.
(¬2) صحيح البخاري برقم (7501)، وصحيح مسلم برقم (128).
(¬3) مستدرك الحاكم (3/ 450) ورقم (1298) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وحسنه الشيخ مقبل الوادعي في كتابه الصحيح المسند من أسباب النزول (ص33).

http://www.grovit.cz/ZABAVNY_majka57/GIF/hvezdy/hvezdy1/hv49.gifhttp://www.grovit.cz/ZABAVNY_majka57/GIF/hvezdy/hvezdy1/hv49.gifhttp://www.grovit.cz/ZABAVNY_majka57/GIF/hvezdy/hvezdy1/hv49.gif

رقة انثى
10-23-2021, 10:30 PM
الله يْعُطْيَكِ آَلِفَ عْآَفْيُهَ عِلْىَ هْذِآَ آَلأَخْتُيِآَرَ

فنتآستكـ
10-23-2021, 10:55 PM
سلمت اناااملك وجزاك الله خيرا

مشآعر
10-23-2021, 11:11 PM
جَزآك آلمولٍى خٍيُرٍ " .. آلجزآء .. "
و ألٍبًسِك لٍبًآسَ
" آلتًقُوِىَ "وً " آلغفرآنَ "

العهود
10-23-2021, 11:29 PM
باركـ الله لكـ وأسعدكـ المولى ورعاكـ


جعله الله في ميزان حسناتكـ

لحن الوفا
10-23-2021, 11:46 PM
جزاك الله كل خير

احساس خجولة
10-24-2021, 12:00 AM
بارك الله فيك
جزاك الله خير الجزاء

سيدة الورد
10-24-2021, 12:12 AM
بورك قلمك وطرحك الراقي

ـالـبـدر
10-24-2021, 03:40 AM
مفيد

والله يبارك لك

إكليل الورد
10-24-2021, 06:51 AM
الله يرزقك الجنة

المنى
10-25-2021, 12:13 AM
الله يجزاك خير

خ ــقــه
10-25-2021, 12:21 AM
في ميزان حسناتك

ـآسلوـوب
10-25-2021, 06:19 AM
موضوع وامثلة بهآ من الحكم
والعبر

رآق لي وجزيتي خيراَ..!

أبو محمد
10-25-2021, 06:58 AM
جزاك الله خير

عزة رجل
10-30-2021, 09:11 PM
جزاك الله خيرا
وجعل هذا الطرح في ميزان حسناتك

وسلمت يداك عطر

رماد حلم
10-31-2021, 02:47 AM
الله يكتب لك الاجر

مشكور على الطرح